اللحية زينة الرجال
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
فإن اللحية هي نعمة جليلة عظيمة تفضل الله بها على الرجال وميزهم عن النساء، وجعلها زينة لهم لما تضفي عليهم من سيما الرجولة والهيبة والوقار.
وهي ليست مجرد شعيرات تنبت في الوجه فقط، بل إنها من شعائر الإسلام الظاهرة التي نتقرب إلى الله بإعفائها وتعظيمها، قال تعالى: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32]، فهي من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم وقد أمر بإعفائها وإرجائها.
ولكن على الرغم من كل ما جاء في تعظيمها والأمر بإعفائها إلا أن كثيراً من المسلمين - هدانا الله وإياهم - في هذا الزمن قد احتقروا هذه الشعيرة العظيمة وامتهنوها وحلقوها من وجوههم، والذي لم يحلقها كلها أخذ يتلاعب بها، فمنهم من يجعلها صغيرة على الذقن، ومنهم من يجعلها خفيفة كأنها خط أسود خفيف، ومنهم من يربط شاربه مع لحيته ويجعلها على شكل دائرة!!
إلى غير ذلك من الأشكال المحزنة والمضحكة في نفس الوقت والتي لا تليق بأي عاقل أن يفعلها بوجهه، فضلاً عن أن يكون مسلماً قد أمر بتكريمها وإعفائها، وإنه ليندر أن يرى وجه الإنسان المتأدب بآداب الشريعة الذي يبقي لحيته كما خلقها الله، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
قيمة اللحية ومكانتها عند السلف
إن إعفاء اللحية من هدي الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام وكذلك الصحابة الكرام والسلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين، فلم يذكر عن أحد منهم أنه كان يحلق لحيته، بل على العكس من ذلك كانوا يعظمونها ويعلون شأنها، كان قيس بن سعد رضي الله عنه رجلاً أمرد لا لحية له، فقال قومه الأنصار: نعم السيد قيس لبطولته وشهامته ولكن لا لحية له، فوالله لو كانت اللحى تشترى بالدراهم لاشترينا له لحية!!
وهذا الأحنف بن قيس كان رجلاً عاقلاً حليماً وكان أمرد لا لحية له وكان سيد قومه فقال بعضهم: وددنا أنا اشترينا للأحنف لحية بعشرين ألف..! فلم يذكروا حنفه ولا عوره وإنما ذكروا كراهية وعدم وجود اللحية عليه، وما ذلك إلا لأن اللحية عند هؤلاء الأخيار تعتبر من الجمال والرجولة والكمال لشخصية المسلم. وكان الواحد منهم أهون عليه أن تزول رقبته ولا تزول لحيته.
أما اليوم فكثير من أبناء المسلمين لا يتمنى أن يشترى له لحية بل إنه يدفع الأموال لإزالتها من وجهه، بل قد يود بعضهم لو عدمها نهائياً وساق على ذلك آلاف الداراهم!! نعوذ بالله من ذلك.
أدلة تحريم حلق اللحية
قال تعالى: وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ [النساء:119]، وحلق اللحية أو الأخذ شيء منها هو تغيير لخلق الله وتمثيل بالشعر أيضاً وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال { من مثّل بالشعر فليس له عن الله خلاق } قال أهل اللغة: مثل بالشعر صيّره مُثْلة بأن حلقه من الخدود أو نتفه أو غيره بالسواد.
وقال صلى الله عليه وسلم في تحريمها { خالفوا المشركين، وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب } [متفق عليه]، وقال عليه الصلاة والسلام { جزوا الشوارب وأرخوا اللحى } [رواه مسلم]، وقال صلى الله عليه وسلم { من لم يأخذ من شاربه فليس منا } [رواه مسلم]. وأمر النبي صلى الله عليه وسلم يقتضي الوجوب.
قال ابن تيمية: يحرم حلق اللحية، وقال القرطبي: لا يجوز حلقها ولا نتفها ولا قصها، وقال عبدالعزيز بن باز: إن تربية اللحية وتوفيرها وإرخائها فرض لا يجوز تركه.
وحلق اللحية ليس من الأمور الصغيرة كما يتوهمه البعض، بل ربما يكون حلقها أعظم إثماً من بعض المعاصي الأخرى، لأن حلقها يعتبر من المجاهرة بالمعصية، وقد لا يتعافى حالقها ولا يغفر له بسبب هذه المجاهرة لقوله صلى الله عليه وسلم{ كل أمتى معافى إلا المجاهرين }.
إضافة أيضاً إلى أن كراهية اللحية أو الإستهزاء بها وبأهلها يخشى على فاعله من الردة والكفر والعياذ بالله، لأن من نواقض الإسلام الاستهزاء والسخرية بهدي النبي صلى الله عليه وسلم أو كراهية ما جاء به، وحلق اللحية قد ينم على كراهيتها والتخلص منها، وكراهيتها قد يكون أيضاً سبباً لحبوط الأعمال كما في قوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:28]، فليحذر المسلم من أن يحبط عمله، أو أن يخرج من الإسلام وهو لا يشعر.
فيا أخي الحبيب:
يا من اعتدت على حلق لحيتك، تب إلى الله من هذا العمل واترك لحيتك كما خلقها الله لك واتبع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم الذي أمرك بها، ولا تعرض نفسك لسخط الله وعقابه بسببها، فكما أنك يا أخى قد أطعت الله في الصلاة والصيام وبعض الواجبات الأخرى فما الذي يمنعك من أن تطيعه كذلك في أمر اللحية؟ أليس الذي أمرك بكلا الحالتين هو الله جل وعلا؟ لماذا تفرق بين أوامره فتطيعه في أمر وتعصيه في آخر؟ أين تعظيم الله؟ أين صدق الإيمان؟ أين الاستجابة للرحمن؟ لماذا هذا التلاعب بأوامر الشرع والاستخفاف بها؟!
إن الله قد ذم من يفعل مثل ذلك من أهل الكتاب فقال تعالى: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة:85]. فلا تعرض نفسك أخي الكريم لمثل هذا الذم، وتتشبه بهم، والتزم بجميع أوامر الله صغيرها وكبيرها تسعد في الدنيا والآخرة.
وفقني الله وإياك لما يحبه ويرضى وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.